فصل: تفسير الآية رقم (133):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لأسعد حومد



.تفسير الآية رقم (129):

{وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (129)}
(129)- وَلَنْ يَسْتَطِيعَ الرِّجَالُ أَنْ يُسَاوُوا فِي المُعَامَلَةِ بَيْنَ النِّسَاءِ، مِنْ جَمِيعِ الوُجُوهِ، فَإِنْ وَقَعَ القَسَمُ الصُّوَرِيّ لَيْلَةً وَلَيْلَةً، فَلا بُدَّ مِنَ التَّفَاوُتِ فِي المَحَبَّةِ، وَالرَّغْبَةِ.
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي قِسْمَتِهِ بَيْنَ نِسَائِهِ «اللهمَّ هَذَا قَسْمِي فِيمَا أَمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيمَا لا أَمْلِكُ»- وَيَعْنِي القَلْبَ.
وَاللهُ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفُ النَّاسَ إلا العَدْلَ فِيمَا يَسْتَطِيعُونَ. ثُمَّ يَقُولُ تَعَالَى: فَإِذَا مِلْتُمْ إلَى وَاحِدَةٍ تُحِبُّونَها مِنْهُنَّ، فَلا تُبَالِغُوا فِي المَيْلِ إِلَيْهَا فَتَبْقَى الأُخْرَى مُعَلَّقَةً، لا هِيَ بِذَاتِ زَوْجٍ، وَلا هِيَ مُطَلَّقَةً. وَإِن أَصْلَحْتُمْ في مُعَامَلَةِ النِّسَاءِ، وَاتَّقَيْتُمْ ظُلْمَهُنَّ، وَتَفضِيلَ بَعْضِهِنَّ عَلَى بَعْضٍ، وَعَدَلْتُمْ بَيْنَهُنَّ فِيما يَدْخُلُ فِي اخْتِيَارِكُمْ كَالقَسْمِ وَالنَّفَقَة وَاتَّقَيْتُمْ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ، غَفَرَ اللهُ لَكُمْ مَا كَانَ مِنْ مَيْلٍ إلى بَعْضِ النِّسَاءِ دُونَ بَعْضٍ.
أنْ تَعْدِلُوا- فِي المَحَبَّةِ وَمَيْلِ القَلْبِ وَالمُؤَانَسَةِ.

.تفسير الآية رقم (130):

{وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا (130)}
{وَاسِعاً}
(130)- أمَّا إذَا آثَرَ الزَّوْجَانِ أَنْ يَتَفَرَّقَا، لأنَّهُمَا يَخَافَانِ ألا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ، فَإِنَّ اللهُ يُغْنِي كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنِ الآخَرِ، وَيُعَوِّضُهُ مِنْ هُوَ خَيْرٌ لَهُ مِنْ صَاحِبِهِ.
وَلَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا جَدِيراً بِعِنَايةِ اللهِ، إلا إذَا التَزَمَا حُدُودَ اللهِ، بِأنِ اجْتَهَدُا فِي الوِفَاقِ وَالصُّلْحِ، وَلَكِنْ ظَهَرَ لَهُمَا، بَعْدَ التَّفْكِيرِ وَالتَّرَوِّي فِي الأَسْبَابِ، أنَّ الحَيَاةَ الزَّوْجِيَّة أصْبَحَتْ غَيْرَ مُسْتَطَاعَةٍ فَافْتَرَقَا، وَاللهُ وَاسِعُ الفَضْلِ وَالرَّحْمَةِ، وَهُوَ عَليمٌ بِمَا فِي النُّفُوسِ، وَبِمَنْ يَسْتَحِقُّ العَطَاءَ فَيُعْطِيهِ.

.تفسير الآية رقم (131):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا (131)}
{السماوات} {الكتاب}
(131)- اللهُ خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَمَالِكُهُمَا، فَلا يَتَعَذَّرُ عَلَيهِ الإِغْنَاءُ بَعْدَ الفَقْرِ، وَلا الإِينَاسُ بَعْدَ الوَحْشَةِ، وَقَدْ أَمَرَكُمْ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ، بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لا شِرِيكَ لَهُ، وَبِتَقْوَاهُ فِي إِقَامَةِ سُنَنِهِ وَشَرْعِهِ، لِتَرْتَقِيَ مَعَارِفُكُمْ، وَتَزْكُوَ نُفُوسُكُمْ، وَتَنْتَظِمَ مَصَالِحُكُمُ الدِّينِيَّةُ وَالدُّنْيَويَةُ.
أمَّا إذَا اخْتَارَ النَّاسُ الكُفْرَ، فَإِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، غَنْيٌّ عَنِ النَّاسِ لا يَضُرُّهُ كُفْرُهُمْ، وَلا تُؤْذِيهِ مَعَاصِيهِمْ، وَلا يَنْفَعُهُ شُكْرُهُمْ، وَلا تَقْوَاهُمْ، وَقَدْ أَوْصَاكُمْ بِمَا أَوْصَى بِهِ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الكِتَابِ رَحْمَةً بِكُمْ، فَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ عِبَادَتِكُمْ، وَهُوَ تَعَالَى مَحْمُودٌ فِي جَمِيعِ مَا يُقَدِّرُهُ وَيُشَرِّعُهُ، وَهُوَ المَالِكُ المُتَصَرِّفُ فِي جَمِيعِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلا شَرِيكَ لَهُ فِي ذَلِكَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

.تفسير الآية رقم (132):

{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (132)}
{السماوات}
(132)- وَللهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ خَلْقَاً وَمُلْكاً، وَهُوَ القَائِمُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ، وَهُوَ الرَّقِيبُ الشَّهِيدُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ. وَأَنْتُمْ أَيُّهَا العِبَادُ تَحْتَ سُلْطَانِ اللهِ وَقَهْرِهِ، وَإِنَّكُمْ لَنْ تُعْجِزُوهُ طَلَباً.
وَكِيلاً- شَهِيداً أَو دَافِعاً وَمُجْبَراً أوْ قَيِّماً.

.تفسير الآية رقم (133):

{إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا (133)}
{بِآخَرِينَ}
(133)- وَاللهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى إِفْنَائِكُمْ، وَعَلَى إِيجَادِ قَوْمٍ آخَرِينَ مِنَ البَشَرِ، يَحُلُّونَ مَحَلَّكُمْ فِي خِلافَةِ الأَرْضِ وَالتَّصَرُّفِ فِيهَا، إذَا عَصَيْتُمُوهُ، فَمَا أَهْوَنَ العِبَادَ عَلَى اللهِ إذَا خَالَفُوهُ، وَعَصَوْا أَمْرَهُ.

.تفسير الآية رقم (134):

{مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (134)}
{الآخرة}
(134)- مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ، بِسَعْيهِ وَجِهَادِهِ فِي حَيَاتِهِ، نَعِيمَ الدُّنْيا: المَالَ وَالجَاهَ وَنَحْوَهُمَا.. فَهُوَ قَاصِرُ الهِمَّةِ، لأنَّ عِنْدَ اللهِ ثَوَابَ الدَّارِينِ مَعاً، وَالجَمْعُ فِي العَمَلِ لِلْدُّنيا مَعَ العَمَلِ لِلآخِرَةِ أَمْرٌ مَيْسُورٌ لَكُمْ، فَمِنْ خَطَلِ الرَّأي أنْ تَتْرُكُوا العَمَلَ لِلآخِرَةِ البَاقِيَةِ، وَتَقْصُرُوا هَمَّكُمْ عَلَى العَمَلِ لِلْدُّنيا الزَّائِلَةِ الفَانِيَةِ، وَعَلَى المُؤْمِنِ العَاقِلِ أَنْ يَقُولَ: {رَبَّنا آتِنَا فِي الدُّنْيا حَسَنةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، وَاللهُ سَمِيعٌ لأَقْوَالِ العِبَادِ، حِينَ مُخَاطَبَاتِهِمْ وَمُنَاجَاتِهِمْ، بَصِيرٌ بِجَمِيعِ أُمُورِهِمْ، فِي سَائِرِ أَحْوَالِهِمْ.

.تفسير الآية رقم (135):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (135)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {قَوَّامِينَ} {الوالدين} {تَلْوُواْ}
(135)- العَدْلُ هُوَ نِظَامُ الوُجُودِ، لِذَلِكَ أَمْرُ اللهِ المُؤْمِنِينَ بِأنْ يَجْعَلُوا العِنَايَةَ بِإقَامَةِ العَدْلِ، عَلَى وَجْهِهِ الصَّحِيحِ، صِفَةً ثَابِتَةً لَهُمْ، رَاسِخَةً فِي نُفُوسِهِمْ (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالقِسْطِ).
وَالعَدْلُ كَمَا يَكُونُ فِي الحُكْمِ بَيْنَ النَّاسِ، يَكُونُ أيْضاً فِي العَمَلِ: كَالقِيَامِ بِمَا يَجِبُ مِنَ العَدْلِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَالأَوْلادِ، فِي النَّفَقَةِ، وَالمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ. وَيَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ للهِ، بِأنْ يَتَحَرَّوا الحَقَّ الذِي يَرْضَاهُ اللهُ، وَيَأْمُرُ بِهِ، مِنْ غَيْرِ مُرَاعَاةٍ لأَحَدٍ، وَلا مُحَابَاةٍ لَهُ، وَلَوْ كَانَتِ الشَّهَادَةُ عَلَى نَفْسِ الإِنْسَانِ، بِأَنْ يُثْبتَ بِهَا الحَقَّ عَلَيهِ (وَمَنْ أقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِحَقٍّ فَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهَا) أَوْ عَلَى وَالِدَي الإِنْسَانِ، أَوْ عَلَى أَقْرَبِ النَّاسِ إلَيْهِ، إِذْ لَيْسَ مِنْ بِرِّ الوَالِدَينِ، وَلا مِنْ صِلَةِ الرَّحْمِ، أنْ يُعَانُوا عَلَى أَكْلِ مَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ حَقٌّ، بَلِ البِرُّ وَالصِّلَةُ فِي الحَقِّ وَالمَعْرُوفِ.
وَيُوصِي اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِالتِزَامِ العَدْلِ فِي الشَّهَادَةِ، وَإنْ كَانَ المَشْهُودُ عَلَيهِ مِنَ الأَقَارِبِ، سَواءً أَكَانَ فَقِيراً أَوْ غَنِياً، فَإنَّ اللهَ تَعَالَى أَوْلَى بِهِ، وَشَرْعُهُ أَحَقُّ بِأَنْ يُتَّبَعَ فِيهِ، فَحَذَارِ أَنْ تُحَابُوا غَنِيّاً طَمَعاً فِي بِرِّهِ، أَوْ خَوْفاً مِنْ سَطْوَتِهِ، وَحَذَارِ أَنْ تُحَابُوا فَقَيراً عَطْفاً عَلَيهِ، أَوْ شَفَقَةً بِهِ فَمَرْضَاةُ المَشْهُودِ عَلَيهِ لَيْسَتْ خَيراً لَكُمْ وَلا لَهُ مِنْ مَرْضَاةِ اللهِ، فَلا تَتَّبِعُوا الهَوَى لِئَلا تَعْدِلُوا عَنِ الحَقِّ إلى البَاطِلِ.
وَيَأمُرُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ أَنْ لا يُحَرِّفُوا الشَّهَادَةَ وَلا يَتَعَمَّدُوا الكَذِبَ فِيهَا، وَأَنْ لا يُعْرِضُوا عَنْ أَدَائِهَا إذَا مَا دُعُوا إلى الشَّهَادَةِ، وَيُخْبِرُهُمُ اللهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ لا تَخْفَى عَلَيهِ خَافِيَةٌ مِنْ تَصَرُّفَاتِ العِبَادِ، فَلا يَخْفَى عَليهِ قَصْدُهُمْ، وَأَنَّهُ مُجَازِيهِمْ بِمَا يَعْمَلُونَ.
أنْ تَعْدِلُوا- كَرَاهَةَ العُدُولِ عَنِ الحَقِّ.
تَلْوُوا- تُحَرِّفُوا فِي الشَّهَادَةِ.
تُعْرِضُوا- تَتْرُكُوا إقَامَتَهَا رَأْساً.

.تفسير الآية رقم (136):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (136)}
{يَا أَيُّهَا} {آمَنُواْ} {آمِنُواْ} {والكتاب} {وَمَلآئِكَتِهِ} {الآخر} {ضَلالاً}
(136)- يَأْْمُرُ اللهُ تَعَالَى عِبَادَهُ المُؤْمِنِينَ بِالإِيمَانِ بِاللهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَبِرَسُولِهِ الكَرِيمِ مُحَمَّدً صَلَواتُ اللهِ وَسَلامُهُ عَلَيهِ، وَبِالكِتَابِ الذِي نَزَلَ عَلَيهِ (وَهُوَ القُرْآنُ)، وَبِالكُتُبِ التِي نَزَّلَها اللهُ مِنْ قَبْلُ، عَلَى رُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ الكِرَامِ، وَيُحَذِّرُهُمْ مِنْ عَوَاقِبِ الكُفْرِ، وَيَقُولُ لَهُمْ: مَنْ يَكُفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ، يَكُنْ قَدْ خَرَجَ عَنْ طَرِيقِ الهُدَى، وَبَعُدَ عَنِ القَصْدِ كُلَّ البُعْدِ.
(وَرُوِيَ: أنَّ هَذا خِطَابٌ لِمُؤْمِنِي اليَهُودِ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدُ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللهِ بْنِ سَلامٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ اليَهُودِ أَتُوْا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، وَقَالُوا نُؤْمِنُ بِكَ، وَبِكِتَابِكَ، وَبِمُوسَى وَبِالتَّوَرَاةِ، وَعُزَيْر، وَنَكْفُرُ بِمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الكُتُبِ وَالرُّسُلِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ، وَكِتَابِهِ القُرْآنِ، وَبِكُلِّ كِتَابٍ كَانَ قَبْلَهُ، فَقَالُوا لا نَفْعَلُ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ فَآمَنُوا كُلُّهُمْ).

.تفسير الآية رقم (137):

{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا (137)}
{آمَنُواْ}
(137)- الإِيمَانُ إِذْعَانٌ مُطْلَقٌ، وَعَم مُسْتَمِرٌّ بِالحَقِّ، فَالمُتَرَدِّدُونَ المُضْطَرِبُونَ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ، لِذَلِكَ يُخْبِرُ اللهُ تَعَالَى أنَّ مَنْ دَخَلَ فِي الإِيمَانِ، ثُمَّ عَادَ فَكَفَرَ، ثُمَّ آمَنَ، ثُمَّ عَادَ فَكَفَرَ، ثُمَّ ازْدَادَ كُفْراً، فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ فَقَدَ الاسْتِعْدَادَ لِفَهْمِ حَقِيقَةِ الإِيمَانِ، وَإدْرَاكِ مَزَايَاهُ وَفَضَائِلَهُ، وَمِثْلُهُ لا يُرْجَى لَهُ- بِحَسَبِ سُنَنِ اللهِ فِي خَلْقِهِ- أنْ يَهْتَدِيَ إلَى الخَيْرِ، وَلا أنْ يَرْشُدُ إلَى مَا يَنْفَعُهُ، وَلا أَنْ يَسْلُكَ سَبِيلَ اللهِ، فَجَدِيرٌ بِهِ أَنْ يَمْنَعَ اللهُ عَنْهُ رَحْمَتِهِ وَرِضْوَانَهُ وَمَغْفِرَتَهُ وَإِحْسَانَهُ، لأنَّ رُوحَهُ تَكُونُ قَدْ تَدَنَّسَتْ، وَقَلْبَهُ قَدْ عَمِيَ، فَلا يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ أَهْلاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَلا لِلْرَجَاءِ فِي ثَوَابِ اللهِ.

.تفسير الآية رقم (138):

{بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138)}
{المنافقين}
(138)- عَدَّ اللهُ تَعَالَى المُنْافِقِينَ مِنْ هَذَا الصَّنْفِ المُتَرَدِّدِ مِنَ النَّاسِ، آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، فَطَبَعَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَقَدْ بَشَرَّهُمُ اللهُ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً فِي الآخِرَةِ.
(وَالبشَارَةُ تُسْتَعْمَلُ عَادَةً فِي الأَخْبَارِ السَّارَّةِ، فَاسْتِعْمَالُهَا هُنْا فِي الأَخْبَارِ السَّيِّئَةِ هُوَ نَوْعٌ مِنَ التَّهَكُّمِ وَالتَّوِبِيخِ)

.تفسير الآية رقم (139):

{الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)}
{الكافرين}
(139)- ثُمَّ وَصَفَ اللهُ تَعَالَى هَؤُلاءِ المُنَافِقِينَ بِأنَّهُمْ يَتَّخِذُونَ الكَافِرِينَ المُعَادِينَ للإِيمَانِ وَالمُؤْمِنِينَ، أَوْليَاءَ لَهُمْ يُلْقُونَ إليهِمْ بِالمَوَدَّةِ. وَيُنْكِرُ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ هَذا المَسْلَكَ فِي مُوَالاةِ الكَافِرِينَ. وَيَسْأَلُ اللهُ مُسْتَنْكِراً: هَلْ يَبْتَغِي هَؤُلاءِ المُنَافِقُونَ العِزَّةَ وَالغَلَبَةَ وَالمَنَعَةَ عِنْدَ الكَافِرِينَ؟ ثُمَّ يُنَبِّهُهُمْ إلَى أنَّ العِزَّةَ كُلَّها للهِ وَحْدَهُ، وَلا شَرِيكَ لَهُ فِيها، ثُمَّ تَكُونُ العِزَّةُ لِمَنْ جَعَلَهَا اللهُ لَهُ. ثُمَّ يَحُثُّهُمُ اللهُ عَلى الإِقْبَالِ عَلَى إِعْلانِ عُبُودِيَّتِهِم للهِ وَحْدَهُ، وَالانْتِظَامِ فِي جُمْلَةِ عِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ الذِينَ لَهُمُ النَّصْرُ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيا، وَلَهُمُ الفَوْزُ بِرِضْوَانِ اللهِ وَجَنَّتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ.
العِزَّةَ- المَنَعَةَ وَالقُوَّةَ وَالنُّصْرَةَ.

.تفسير الآية رقم (140):

{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140)}
{الكتاب} {آيَاتِ} {المنافقين} {والكافرين}
(140)- كَانَ بَعْضُ المُسْلِمِينَ يَجْلِسُونَ مَعَ المُشْرِكِينَ، وَهُمْ يَخُوضُونَ فِي الكُفْرِ وَذَمِّ الإِسْلامِ، وَالاسْتِهْزَاءِ بِالقُرْآنِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ الإِنْكَارَ عَلَيهِمْ لِضَعْفِهِمْ، وَلِقُوَّةِ المُشْرِكِينَ، فَأَمَرَهُمُ اللهُ تَعَالَى بِالإِعْرَاضِ عَنْهُمْ.
وَيَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ أَنْزَلَ فِي القُرْآنِ أَمْراً إلى جَمِيعِ مَنْ يُظْهِرُونَ الإِيمَانَ، أنَّهُمْ إذَا سَمِعُوا أنَاسَاً يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ، أَوْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهَا فَعَلَيهِمْ ألا يَقْعُدُوا مَعَهُمْ إلى أَنْ يُقْلِعُوا عَنْ هَذَا المُنْكَرِ، وَيَأْخُذُوا فِي حُدِيثٍ آخَرَ، وَأنَّ المُؤْمِنِينَ إذَا قَعَدُوا مَعَ مَنْ يَسْتَهْزِئُونَ بِآيَاتِ اللهِ، وَيَكْفُرُونَ بِاللهِ، فَإِنَّهُمْ يَكُونُونَ مِثْلَهُمْ فِي ذَلِكَ. وَكَمَا أَشْرَكُوهُمْ فِي الكُفْرِ، كَذَلِكَ يُشْرِكُهُمْ اللهُ مَعَهُمْ فِي الخُلُودِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ أَبَداً، وَيَجْمَعُ اللهُ بَيْنَهُمْ فِي دَارِ العُقُوبَةِ وَالنَّكَالِ.